الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد:
اطلعنا على بعض ما ذكره بعض الأخوة ذباً عن الإمام أبي حنيفة ، فرأيناهم تعدوا ذلك إلى الطعن في غيره مما لا يرضى ، وخلطوا في الكلام في أمور عدة أذكرتني بمقدمة الإمام المعلمي رحمه الله على (طليعته) ، وفيها عن تقديمي كفاية حيث قال : "فإني وقفتُ على كتاب (تأنيب الخطيب) للأستاذ العلامة محمد زاهد الكوثري ، الذي تعقب فيه ما ذكره الحافظ الخطيب في ترجمة الإمام أبي حنيفة في (تاريخ بغداد) من الروايات عن الماضين في الغض من أبي حنيفة ، فرأيتُ الأستاذ تعدى ما يوافقه عليه أهل العلم من توقير الإمام أبي حنيفة وحسن الذب عنه ، إلا ما لا يرضاه عالم متثبت من المغالطات المضادة للأمانة العلمية ، ومن التخليط في القواعد ، والطعن في أئمة السنة ونقلتها ، حتى تناول بعض أفاضل الصحابة والتابعين والأئمة الثلاثة مالكاً والشافعي وأحمد وأضرابهم وكبار أئمة الحديث وثقات نقلته ، والرد لأحاديث صحيحة ثابتة ، والعيب للعقيدة السلفية ، فأساء في ذلك جداً ، حتى إلى الإمام أبي حنيفة نفسه ..." إلى آخر كلامه رحمه الله.
وقد رأينا عامة ما عابه المعلمي رحمه الله هنا ، سوى الكلام في الصحابة ، فكان داعيه إلى التصنيف داعينا إلى التأليف ، فلا قصد إلا الذب عن أعراض الأئمة الأماجد عن التهم التي ألصقت بهم ، وبيان وجه الروايات التي نقلت عنهم.
وقد كان الشيخ الكوثري عارفاً بمذهب أبي حنيفة وبعلم الحديث والكلام في الرجال فمع ما ذكره المعلمي من تخليطه في القواعد ، لم يذكر من التخليط ما رأيناه هنا ، حيث نسب إلى أبي حنيفة ما لم يقله أحد من الأحناف فضلاً عن غيرهم ، بل نسب هنا إلى أبي حنيفة ما جاء النقل بخلافه كما سترى ذلك مفصلاً فيما سيأتي.
وقد سمى المعترض كلام الأئمة الإعلام بـ (افتراءات اللئام) فقال :
ومنبت هذا البحث شبهة وردت في بحثي أنا العبد لله "كشف اللثام عن افتراءات اللثام على الصحابة والتابعين والأئمة الكرام" في الرد على شبهة السؤال رقم: 126؛ والذي أدرج به قول للحافظ أبو حاتم ابن حبان البستي في كتابه "المجروحين"، حيث يقول: ( النعمان بن ثابت أبو حنيفة الكوفي، صاحب الرأي، يروي عن عطاء ونافع، كان مولده سنة ثمانين في، سواد الكوفة، ومات أبو حنيفة سنة خمسين ومائة ببغداد، وقبره في مقبرة الخيزران، وكان رجلا جدلا ظاهر الورع؛ لم يكن الحديث صناعته، حدث بمائة وثلاثين حديثا مسانيد ما له في الدنيا غيرها، أخطأ منها في مائة وعشرين حديثا، إما أن يكون أقلب إسناده أو غير متنه من حيث لا يعلم، فلما كثر خطؤه على صوابه استحق ترك الاحتجاج به في الأخبار )؛ ورد في "المجروحين" لابن حبان
فإن قيل : المقصود غير الأئمة بل من اعتمد على كلامهم من اللئام.
قلنا : نعم لعله كما قلتم ، لكن لا يسعف إلى فهمه السياق ، والمقاصد لا تعرف بغير تصريح ، لذا ذهب الشافعية إلى اشتراط اللفظ في البيع الصحيح ، لاستتار القصد ، فإن كان هذا في بيع الدرهم والدينار ، وعادة الناس جارية على تعاطيه بغير لفظ من غير إنكار ، فكيف بمن جعل اسم بحثه الرد على اللئام ، ثم أتبعه بكلام ابن حبان الإمام؟
وظاهره أن سبب التصنيف هو كلام ابن حبان وما شابهه ، وقد تقرر في علم الأصول أن صورة السبب داخلة في العموم يقيناً لم يحكى فيه خلافاً عن غير التقي السبكي ، بل اعترضه بعضهم بسبق الإجماع هذا الكلام المحكي.
على أن العذر السابق ـ وهو أن المقصود من اعتمد على كلام ابن حبان وغيره فالمعتمدين هم اللئام ـ غير دافع للمعرة ، فإنه إن صح وصف من اعتمد على ابن حبان ونحوه باللئيم ، فكم بالأحرى تصحيح إطلاقه على صاحب الكلام نفسه.
وقد سمى المعترض موضوعه في الملتقى بــ (درء الإفتراء بضعف حديث أبي حنيفة) وهذا لا يحتمل ما احتمله عنوان بحثه آنف الذكر ، إذ هو صريح بأن الإفتراء هو تضعيف حديث أبي حنيفة ، وحينئذٍ فالمفتري من ضعفه ، وهم أئمة أعلام ذكرهم هو نفسه ، كالإمام سفيان الثوري وأبي نعيم البخاري وابن حبان البستي والعقيلي وابن عدي وغيرهم ممن سيأتي ذكرهم ، وجعل الدوافع تارة خوفهم من اندثار مذاهبهم وتارة حسدهم وغير ذلك ، مصرحاً بذلك من غير تقية ، كأنما ظن أن ليس بين عباد الله بقية.
وفيما قلنا من التقديم كفاية ، وفيما يأتي بيان المقصود إلى الغاية ، وأوله كلام جُمَلي.
والله أسأل أن يعصمني من طيش القلم وكتابة يتبعها ندم
ويوفقني إلى ما يحب ويرضى
والله سبحانه وتعالى أعلم
وبعد:
اطلعنا على بعض ما ذكره بعض الأخوة ذباً عن الإمام أبي حنيفة ، فرأيناهم تعدوا ذلك إلى الطعن في غيره مما لا يرضى ، وخلطوا في الكلام في أمور عدة أذكرتني بمقدمة الإمام المعلمي رحمه الله على (طليعته) ، وفيها عن تقديمي كفاية حيث قال : "فإني وقفتُ على كتاب (تأنيب الخطيب) للأستاذ العلامة محمد زاهد الكوثري ، الذي تعقب فيه ما ذكره الحافظ الخطيب في ترجمة الإمام أبي حنيفة في (تاريخ بغداد) من الروايات عن الماضين في الغض من أبي حنيفة ، فرأيتُ الأستاذ تعدى ما يوافقه عليه أهل العلم من توقير الإمام أبي حنيفة وحسن الذب عنه ، إلا ما لا يرضاه عالم متثبت من المغالطات المضادة للأمانة العلمية ، ومن التخليط في القواعد ، والطعن في أئمة السنة ونقلتها ، حتى تناول بعض أفاضل الصحابة والتابعين والأئمة الثلاثة مالكاً والشافعي وأحمد وأضرابهم وكبار أئمة الحديث وثقات نقلته ، والرد لأحاديث صحيحة ثابتة ، والعيب للعقيدة السلفية ، فأساء في ذلك جداً ، حتى إلى الإمام أبي حنيفة نفسه ..." إلى آخر كلامه رحمه الله.
وقد رأينا عامة ما عابه المعلمي رحمه الله هنا ، سوى الكلام في الصحابة ، فكان داعيه إلى التصنيف داعينا إلى التأليف ، فلا قصد إلا الذب عن أعراض الأئمة الأماجد عن التهم التي ألصقت بهم ، وبيان وجه الروايات التي نقلت عنهم.
وقد كان الشيخ الكوثري عارفاً بمذهب أبي حنيفة وبعلم الحديث والكلام في الرجال فمع ما ذكره المعلمي من تخليطه في القواعد ، لم يذكر من التخليط ما رأيناه هنا ، حيث نسب إلى أبي حنيفة ما لم يقله أحد من الأحناف فضلاً عن غيرهم ، بل نسب هنا إلى أبي حنيفة ما جاء النقل بخلافه كما سترى ذلك مفصلاً فيما سيأتي.
وقد سمى المعترض كلام الأئمة الإعلام بـ (افتراءات اللئام) فقال :
اقتباس:
ومنبت هذا البحث شبهة وردت في بحثي أنا العبد لله "كشف اللثام عن افتراءات اللثام على الصحابة والتابعين والأئمة الكرام" في الرد على شبهة السؤال رقم: 126؛ والذي أدرج به قول للحافظ أبو حاتم ابن حبان البستي في كتابه "المجروحين"، حيث يقول: ( النعمان بن ثابت أبو حنيفة الكوفي، صاحب الرأي، يروي عن عطاء ونافع، كان مولده سنة ثمانين في، سواد الكوفة، ومات أبو حنيفة سنة خمسين ومائة ببغداد، وقبره في مقبرة الخيزران، وكان رجلا جدلا ظاهر الورع؛ لم يكن الحديث صناعته، حدث بمائة وثلاثين حديثا مسانيد ما له في الدنيا غيرها، أخطأ منها في مائة وعشرين حديثا، إما أن يكون أقلب إسناده أو غير متنه من حيث لا يعلم، فلما كثر خطؤه على صوابه استحق ترك الاحتجاج به في الأخبار )؛ ورد في "المجروحين" لابن حبان
قلنا : نعم لعله كما قلتم ، لكن لا يسعف إلى فهمه السياق ، والمقاصد لا تعرف بغير تصريح ، لذا ذهب الشافعية إلى اشتراط اللفظ في البيع الصحيح ، لاستتار القصد ، فإن كان هذا في بيع الدرهم والدينار ، وعادة الناس جارية على تعاطيه بغير لفظ من غير إنكار ، فكيف بمن جعل اسم بحثه الرد على اللئام ، ثم أتبعه بكلام ابن حبان الإمام؟
وظاهره أن سبب التصنيف هو كلام ابن حبان وما شابهه ، وقد تقرر في علم الأصول أن صورة السبب داخلة في العموم يقيناً لم يحكى فيه خلافاً عن غير التقي السبكي ، بل اعترضه بعضهم بسبق الإجماع هذا الكلام المحكي.
على أن العذر السابق ـ وهو أن المقصود من اعتمد على كلام ابن حبان وغيره فالمعتمدين هم اللئام ـ غير دافع للمعرة ، فإنه إن صح وصف من اعتمد على ابن حبان ونحوه باللئيم ، فكم بالأحرى تصحيح إطلاقه على صاحب الكلام نفسه.
وقد سمى المعترض موضوعه في الملتقى بــ (درء الإفتراء بضعف حديث أبي حنيفة) وهذا لا يحتمل ما احتمله عنوان بحثه آنف الذكر ، إذ هو صريح بأن الإفتراء هو تضعيف حديث أبي حنيفة ، وحينئذٍ فالمفتري من ضعفه ، وهم أئمة أعلام ذكرهم هو نفسه ، كالإمام سفيان الثوري وأبي نعيم البخاري وابن حبان البستي والعقيلي وابن عدي وغيرهم ممن سيأتي ذكرهم ، وجعل الدوافع تارة خوفهم من اندثار مذاهبهم وتارة حسدهم وغير ذلك ، مصرحاً بذلك من غير تقية ، كأنما ظن أن ليس بين عباد الله بقية.
وفيما قلنا من التقديم كفاية ، وفيما يأتي بيان المقصود إلى الغاية ، وأوله كلام جُمَلي.
والله أسأل أن يعصمني من طيش القلم وكتابة يتبعها ندم
ويوفقني إلى ما يحب ويرضى
والله سبحانه وتعالى أعلم