إبطال القول بالتعليل
(لغير المتخصصين)
اعداد
دكتور كامل محمد محمد عامر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، أحمده حمد العاجز عن القيام بحق حمده على ما أنعم علينا بنعم لا نستطيع لها حصراً .
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وكفى بالله شهيداً وصلى وسلّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين .
وبعد
فجميع الصحابة رضي الله عنهم أولهم عن آخرهم لم ينقل عن أحد منهم أنه قال: إن الله تعالى حكم في شيء من الشريعة لعلَّة وإنما ظهر هذا القول بعد ذلك فلا توجدعلل لأحكام الله سبحانه وتعالى البتة، ولا يوجد سبب لحكم إلا ما نص الله سبحانه وتعالى عليه أو رسوله عليه السلام فإذا وجد نص على أن أمر كذا لسبب كذا أو من أجل كذا، فإن ذلك قد جُعِل سبباً لتلك الأشياء في تلك المواضع فقط.
أدلة القائلين بالعلل
قال تعالى:{مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَدُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ} [الحشر:7].
وقال تعالى: { وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)}[الأعراف:20,19],قال الله تعالى حاكياً عن إِبليس إذ عصى وأبى عن السجود أنه قال: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)} [الأعراف: 12] فصح أن خطأ آدم عليه السلام إنما كان من وجهين:
أحدهما: تركه حمل نهي ربه تعالى على الوجوب. والثاني: قبوله قول إبليس أن نهي الله عن الشجرة إنما هو لعلة كذا.
فصح يقيناً بهذا النص البيِّن أن تعليل أوامر الله تعالى معصية، وأن القياس هو أول ما عُصِىَ اللهُ تعالى به في عالمنا هذا وهو قياس إبليس على أن السجود لآدم ساقط عنه، لأنه خير منه، إذ إبليس من نار وآدم من طين، ثم بالتعليل للأوامر ، وصح أن أول من قاس في الدين وعلل في الشرائع فإبليس.
وقال الله عز وجل حاكياً عن قوم من أهل الاستخفاف أنهم قالوا إذا أُمِروا بالصدقة: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47) }[يس: 47] إنكار منه تعالى للتعليل، لأنهم قالوا: «لو أراد الله تعالى إطعام هؤلاء لأطعمهم دون أن يكلفنا نحن إطعامهم» . وهذا نص على أنه لا يجوز تعليل شيء من أوامره، وإنما يلزم فيها الانقياد فقط.
وأيضاً فدعوى إن هذا الحكم حكم به الله تعالى لعلة كذا؛ فرية ودعوى لا دليل عليها، ولو كان هذا الكذب عن أحد من الناس لسقط قائله فكيف على الله عز وجل
فعَنْ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ....." [البخارىكِتاب الْجَنَائِزِ باب مَا يُكْرَهُ مِنْ النِّيَاحَةِ عَلَى الْمَيِّتِ]
وليس ينكر وجود أسباب لبعض أحكام الشريعة، لكنها لا تكون أسباباً إلا فى المواضع التي نص فيها على أنها أسباب لما جعلت أسباباً له كما جعل تعالى السرقة بصفة ما سبباً للقطع، والقذف بصفة ما سبباً للجلد والوطء بصفة مَّا سبباً للجلد والرجم.
وقد قال الله تعالى واصفاً لنفسه: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الانبياء:23] فأخبر تعالى بالفرق بيننا وبينه جلَّ و علا أن أفعاله لا يجزىء فيها « لِمَ »...؟ وإذا لم يحل لنا أن نسأله سبحانه وتعالى عن شيء من أحكامه وأفعاله «لم كان هذا ؟»فقد بطلت الأسباب جملة وسقطت العلل البتة إلا ما نص الله تعالى عليه أنه فعل أمراً كذا لأجل كذا.
وفي قوله تعالى:{لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُوَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الانبياء:23]بيان جليأنه لا يجوز لأحد منا أن يقول قولاً لا يسأل عنه، ولزمنا فرضاًسؤال كل قائل من أين قلت كذا؟فإن بين لنا الدليل من القرآن أو صحيح السنة لزمنا طاعته ، وإلا لم لم نأخذ بقوله.