Quantcast
Channel: الملتقى الفقهي
Viewing all articles
Browse latest Browse all 15662

اختلاف المالكية في "مسألة صرف ما في الذمة من الدين": هل يصح أم لا؟!

$
0
0
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فهذه المسألة من فروع التطبيق على قاعدة: ’’الموجود شرعًا هل هو كالموجود حقيقةً أم لا؟‘‘، وهي من القواعد المختلف فيها عند المالكية، على ما ذكره "الونشريسي" في كتابه ((إيضاح المسالك إلى قواعد مالك)) -الذي اشتمل على مائة وأربع وعشرين قاعدة- من القواعد العامة المختلف فيها بين الفقهاء، عددًا كبيرًا. فأما جملة القواعد الخاصة غير المختلف فيها بين الفقهاء عمومًا فعددها عنده ثنتان وأبعون قاعدة.
وقد طرحنا موضوعًا في هذا القسم بعنوان: اختلاف المالكية في "حكم الماء المتغير بالملح": هل يبقى طهورًا أم لا؟! .. أتينا فيه بتطبيق لقاعدة مُختلف فيها عند المالكية على فرعٍ من فروعها.
وفي هذا الموضوع سنأتي على نموذج آخر -على سبيل التمثيل وإجراء التطبيق- لتطبيق قاعدة أخرى مختلف فيها عند المالكية على فرع من فروعها كذلك.
اقتباس:

لفظ ورود القاعدة وبيان معناها ودليلها والتفريع عليها:
أ- ورود القاعدة/
هذه القاعدة صاغها الونشريسي بأسلوب الاستفهام مشعرًا باختلاف الفقهاء فيها، ونصها: "الموجود شرعًا هل هو كالموجود حقيقة أم لا؟" - إيضاح المسالك (ص 60)، قاعدة (3) .
-وفي لفظ عند المقري: "الموجود شرعًا كالموجود حقيقة". [تطبيقات قواعد الفقه عند المالكية (ص 21)، نقلاً من قواعد المقري (2/ 205)].
-وفي لفظٍ آخر: "اختلف المالكية في الموجود حكمًا هل هو كالموجود حقيقة أو لا؟". [المرجع السابق (ص 21)].
ب- معنى القاعدة ودليلها/
معناها: أن ما حكم الشرع بوجوده فإن له من القوة ما ينتهض به موجودًا في الواقع [نظرية التقعيد الفقهي (ص 457)]، فإن الاعتداد في الأمور إنما هو بالشرع لا بالحس، فما كان مشروعًا فهو موجود حقيقة، ولو لم يكن موجودًا حِسًّا، والعكس صحيح، كما قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ * وَلاَ الظُّلُمَاتُ وَلاَ الْنُّورُ} [فاطر: 19، 20] فمن كان ضالاًّ فهو أعمى وإن كان يُبصر، ومن اهتدى فهو بصير وإن كان لا ينظر، وهو من تنزيل الموجود شرعًا كالموجود حقيقة، والمعدوم شرعًا كالمعدوم حقيقة. [تطبيقات قواعد الفقه عند المالكية (ص 458)].
ج- من تطبيقات القاعدة/
الإمام الراتب: هو الذي تسند له إمامة الصلوات الخمس، يؤم بها الناس بصفة منتظمة لا يعزله عن ذلك إلا موته أو استقالته أو اختلاف شرط من شروط الإمامة فيه.
فهذا الإمام إذا صلَّى وحده فكأنما صلَّى في الجماعة؛ لأنه إنما قصد المسجد ليؤم بالجماعة، فإذا لم يحضر المسجد غيره فهو كالجماعة [نظرية التقعيد الفقهي (ص 458)] فلا يعيد بعد ذلك في جماعة أخرى، ولا تعاد الجماعة بعده في مسجده؛ لأن صلاته وحده بمنزلة الجماعة في تقدير الشرع، والموجود شرعًا كالموجود حقيقة، وعلى تقدير الشق الآخر من القاعدة يعيد الإمام الذي صلَّى وحده إذا وجد جماعة، وتعاد الجماعة بعده في مسجده؛ لأن صلاته وحده ليست جماعة حسًّا.
ويُراجع: كتاب "أثر الخلاف الفقهي في القواعد المختلف فيها" للدكتور محمود إسماعيل مشعل، الصفحات (334-337).
الصرف: هو بيع الذهب بالفضة، سواء أكانا على صورة النقد؛ كعشرة دنانير بمائة درهم، أو كانا على صورةٍ أخرى؛ كاستبدال سوار من ذهب بقلادة من فضة. [انظر: البهجة في شرح التحفية، لعبدالسلام التسولي (2/ 50) دار الرشاد (المغرب)، وإكمال الإكمال (شرح الأُبي على صحيح مسلم)، لمحمد بن خليفة الوشتاني، الأُبي (5/ 474)، ضبط وتصحيح محمد سالم هاشم، دار الكتب العلمية - بيروت، (ط.1)، (1414هـ)].
والفتوى في العصر الحاضر على أن أي عملة من العملات الحديثة تُعد بديلاً عن الذهب أو الفضة، وبالتالي فشراء الذهب أو الفضة -ولو كانتا حليًّا- بالنقد المعاصر يسمى صرفًا، ويعطى حكمه. وكذلك المعاوضة بين عملتين مختلفتين. [أحكام عقد البيع في الفقه الإسلامي المالكي، تأليف محمد سكحال المجاجي (ص 51)، دار ابن حزم، (ط.1)، (1422هـ-2001م)].
وصورة التصارف في الذمة: أن يتداين رجلان، فيكون لأحدهما على الآخر دنانير، وللآخر عليه دراهم، فيريد صاحب الدنانير أن يصرفها بالدراهم، والمال ما زال في ذمة كل منهما. [نظرية التقعيد الفقهي (ص 458)].
واشترط المالكية: أن يكون الدينان قد حلاًّ، فأقاموا حلول الأجلين في ذلك مقام التقايض. قال في مواهب الجليل (4/ 310): "هذه المسألة تلقب بالصرف في الذمة، وهي أن يكون لأحدهما على الآخر دينار أو دنانير، وللآخر عليه دراهم فيتطارحان ما في الذمتين، وإن كان ما في الذمتين مؤجلاً، أو ما في أحدهما لم يجز..." [والمعونة (2/ 1023)، والتاج والإكليل مع مواهب الجليل (4/ 310)].
فهذه الصورة جائزة بحكم القاعدة؛ لأن هذا المال، وإن كان في الذمة، إلا أنه محكوم عليه شرعًا بأنه موجود؛ لأن كلاًّا من المتداينين مطالب برد الدين لصاحبه فكان المال بهذا الاعتبار الشرعي كأنه حاضر ناجز، من باب قياس الموجود شرعًا على الموجود حقيقة بجامع حصول الوجود في كل منهما. [نظرية التقعيد الفقهي (ص 458)، وتطبيقات قواعد الفقه عند المالكية (ص 22)، وأحكام عقد البيع في الفقه الإسلامي المالكي، تأليف محمد سكحال المجاجي (ص 51)].
ويقول الأستاذ/ محمد سكحال في أحكام عقد البيع في الفقه الإسلامي المالكي (ص 160): "والصرف ما في الذمة يعني: أن يكون لأحد الصارفين أو كليهما دين من نقد على الآخر، فيقوم بصرفه، ويتقاضى منه غير ما كان في ذمته، كما لو كان عليك دين بالدينار الجزائري فأردت أن تقضي الدائن بالعملة المغربية أو السورية، فتصرف ما في ذمتك من دنانير إلى دراهم أو ليرات".
فهل يصح صرف ما في الذمة من الدين؛ لأنه موجود حكمًا، أو لا؛ لعدم حضور النقدين أو أحدهما حسًّا في المجلس؟
مثاله: أن يكون لك في ذمة آخر ذهبًا أو فضةً أو نقودًا من دين، فتصرفها منه بنقد آخر ناجز. [تطبيقات قواعد الفقهي عند المالكية (ص 22)].
-فإذا كان الدين الذي في الذمة حالاًّ، فالمشهور الجواز، وقيل: لا يجوز؛ لعدم التقابض الحسي. ووجه الجواز: براءة الذمة وحلول ما فيها من الدين، وكأنه على الحقيقة حاضر، فقد حصل التناجز صورةً ومعنًى.
-فإن كان ما في الذمة غير حالٍّ، فالمشهور أنه لا يجوز صرفه؛ لأن ذمة المدين تبقى عامرة إلى الأجل، وبصرفه إياه قبل الأجل يكون كالمسلف له نظير ما في ذمته؛ لأن مَنْ عَجَّل ما أجل عُدَّ مسلفًا، فإذا حلَّ الأجل يقدر كأنه قبض من نفسه ما كان عجله، فيكون من الصرف المؤخر [المعونة (2/ 1023)، والتاج والإكليل (4/ 310)] ومن باب أولى في المنع إذا كان الدينان معًا مؤجلين؛ لأنه من الصرف المؤخر. [تطبيقات قواعد الفقه عند المالكية (ص 22)].

هذا، والله أعلم.

Viewing all articles
Browse latest Browse all 15662

Trending Articles